السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أما الإسلام فهو دين الرحمة والتسامح، ودين الوفاء بالعهود حتى للأعداء، وهذا هو عنصرنا الثاني: أخلاق الإسلام: وأنا لن أتكلم عن أخلاق الإسلام بين المسلمين، ولن أتكلم عن أخلاقه العقيدية، ولا عن أخلاقه التعبدية، ولا عن أخلاقه التشريعية، ولا عن أخلاقه السلوكية فيما بين أفراده. بل سأتحدث عن أخلاق الإسلام مع غير المسلمين، ونحن نعلم يقيناً أن اليهود ما ذاقوا طعم الأمن والاستقرار إلا في ظلال الإسلام، وما تعرض يهودي للأذى إلا يوم أن نقض اليهود العهود مع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، وما عرف الصليبيون والنصارى طعم الأمن والأمان إلا في ظلال الإسلام.
تعظيم عمر بن الخطاب رضي الله عنه للوفاء بالعهود
وهذا جندي- ولا أقول: هذا قائد من قادة المسلمين- يعطي عهداً بالأمان لقرية في بلاد العراق وكانت تحت قيادة أبيعبيدة بن الجراح رضي الله عنه، وأخبر الجندي قائده أبا عبيدة، فأرسل أبوعبيدة بن الجراح كتاباً على الفور إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ليخبره بما كان، وليتلقى منه الأوامر. فأرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه رسالة إلى أبي عبيدة بن الجراح وقال فيها بعد حمد الله والثناء عليه: إن الله تعالى قد عظّم الوفاء، ولا تكونون أوفياء حتى تفوا، فوفوا لهم بعهدهم، واستعينوا الله عليهم. وأود أن أقف لأستخرج أمرين من هذه الحادثة: الأول: أن عمر بن الخطاب أراد أن يبين كرامة الفرد ولو كان جندياً، وكان هذا امتثالاً عملياً من عمر لقول النبي كما في صحيح البخاري: (المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم على أعلاهم)، فأثبت عمركرامة الفرد ولو كان جندياً قد أعطى الأمان لقرية أو لأهل بلد، فوجب على المسلمين -بما فيهم قائد الجيش- أن يفوا بعهد هذا الجندي لأهل هذا البلد. الأمر الآخر: لقد أثبت عمرعملياً أن معاني الإسلام العظيمة ليست حبيسة الأوراق، وليست حبيسة الأدراج كما فعلت الثورة الفرنسية، أو كما فعل إعلان الحقوق العالمية للإنسان في أمريكا أو في هيئة الأمم.
عدل عمر رضي الله وأخلاقه مع أهل بيت المقدس
واقرءوا بنود العهدة العمرية التي منحها عمر بن الخطاب لأهل بيت المقدس يوم جاء من المدينة ليستلم مفاتيح بيت المقدس، فأعطاهم عهداً بالأمان على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم، ومن أراد أن يخرج منهم من أرض (إيلياء) فلابد أن يُعطى الأمان حتى يبلغ مأمنه، ومن أراد أن يبقى منهم في الأرض فلا يؤخذ منه شيء من المال حتى يحصل خراجه. فهذا هو الإسلام.
وفاء النبي صلى الله عليه وسلم بالعهود للكفار
وفي صحيح مسلم قال حذيفةبن اليمان رضي الله عنه: ما منعني أن أشهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأبي حسيل-رضي الله عنهما- إلا أننا قد خرجنا فأخذنا المشركون، فقالوا لنا: أتريدون محمداً؟ قلنا: لا، بل نريد المدينة، قال حذيفة : فأخذ المشركون علينا عهد الله وميثاقه أن ننصرف إلى المدينة، وألا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال حذيفة : فانطلقت أنا وأبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه بما قاله لنا المشركون، وبما قلناه للمشركين، فاسمع ماذا قال النبي عليه الصلاة والسلام وهو في حال حرب لحذيفة وأبيه (انصرفا -أي: لا تشهدا معنا المعركة- نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم). ائتوني بلغة على وجه الأرض تجسد هذا الوفاء! هذا هو ديننا، وهذه هي أخلاق نبينا، فالحربي له عندنا معاملة، والذمي له عندنا معاملة، والعدو له عندنا معاملة، والحبيب والقريب له عندنا معاملة. ولقد وضع الإسلام القواعد والضوابط كلها وبين كل شيء، ومع أنهم في حال حرب إلا أنه يقول صلى الله عليه وسلم: (انصرفا؛ نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم).
عن محاضرة لفضيلة الشيخ محمد حسان بعنوان
هذا هو الإسلام يا أمريكا
منقول
..